العالم اليوم يعيش حالة من الجمود
السياسي والتوتر الدولي غير المسبوق، وسط سباق محموم بين القوى العظمى لإعادة
تشكيل النظام العالمي.
يقف دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب،
كمحور رئيسي في هذه المعادلة، عبر استراتيجية تعكس تناقضًا بين فرض السلام بالقوة
والتحضير لصراع الهيمنة ضد الصين.
هذا المقال يتناول بشكل معمق التحولات
الكبرى في شرق أوروبا والشرق الأوسط، ويشرح الأهداف الكامنة وراء التحركات
الأمريكية، ودور القوى الأخرى كروسيا والصين والدول العربية، في مشهد سياسي ينذر
بحرب قد تكون السبيل الوحيد لكسر الجمود الراهن.
التحولات في شرق أوروبا: سلام أم
مواجهة؟
في شرق أوروبا، يتجاوز الصراع مجرد
نزاع على الأراضي أو الجغرافيا السياسية، ليصل إلى قلب النظام المالي العالمي.
تسعى روسيا، بدعم من الصين، إلى بناء
منظومة اقتصادية جديدة تتحدى هيمنة الدولار.
من هنا، يتحرك ترامب لكسر هذا التحالف
من خلال تقويض الارتباط الروسي الصيني.
إستراتيجيته تعتمد على تقديم تنازلات
للداخل الأمريكي عبر وعود بتحقيق "السلام"، لكن بشروط تعزز النفوذ
الأمريكي.
ترامب يعلم أن مواجهة الصين، العدو
الرئيسي في هذه المعادلة، لا يمكن أن تتم إلا بعد تحييد روسيا أو تقليل دعمها
للصين، مما يعزز أهمية الشرق الأوروبي في هذه اللعبة.
الشرق الأوسط: "سلام بالقوة"
وتحقيق التوسع الصهيوني
على الجبهة الأخرى، يتبع ترامب نهجًا
مشابهًا في الشرق الأوسط، حيث يسعى لتحقيق "سلام" يرضي حلفاءه في الكيان
الصهيوني.
الهدف هنا ليس فقط تقليل الضغط
الداخلي، بل أيضًا فرض حل نهائي للصراع العربي الإسرائيلي يضمن توسع الكيان
الصهيوني وقبوله من الدول العربية.
لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب مفاوضات
عنيفة تستغل كل أدوات الضغط الأمريكي، من العقوبات إلى التحالفات العسكرية، بهدف
فرض حلول غير متوازنة تخدم المصالح الإسرائيلية.
إلا أن المواقف العربية والرفض القاطع
لأي توسع صهيوني يشكلان تحديًا كبيرًا لهذه الاستراتيجية.
الصراع على النظام العالمي: الدولار أم
بريكس؟
يتبلور التنافس الجيوسياسي الحالي في
شكل صراع بين القطب الواحد، الذي تقوده الولايات المتحدة، وعالم متعدد الأقطاب
تقوده قوى صاعدة كروسيا والصين ومصر.
منظومة "بريكس" تقدم نفسها
كبديل للنظام المالي الحالي، مما يزيد من قلق واشنطن.
ترامب، في هذا السياق، يعمل على تأجيل
المواجهة الكبرى مع الصين عبر محاولات استنزاف خصومه الآخرين، لكنه يدرك أن تكلفة
هذا ستكون عالية.
لذلك يسعى لدفع الآخرين لتحملها، سواء
عبر المفاوضات العنيفة أو عبر إشعال نزاعات محدودة.
مواقف القوى العالمية: هل تنجح أمريكا؟
المشهد يزداد تعقيدًا مع رفض روسيا
التخلي عن الصين، وتصاعد التوتر بين القوى الكبرى الطرفان، الروسي والصيني، يؤكدان
استعدادهما للمواجهة إذا لم تتراجع أمريكا عن سياساتها العدوانية.
أما الدول العربية، فتجد نفسها بين
مطرقة الضغوط الأمريكية وسندان حماية مصالحها القومية.
العرب يرفضون الحلول التي تفرض التوسع
الصهيوني، مما يعزز احتمالات حدوث مواجهة شاملة.
الخلاصة:
من الواضح أن العالم يمر بمرحلة تحول
كبرى، حيث تتصارع القوى العالمية لإعادة صياغة التوازن الدولي.
في ظل تعنت الأطراف وعدم استعداد أي
طرف لتحمل هذه التكلفة تظل الحرب احتمالًا حتميًا لكسر الجمود الحالي.
التوصيات:
إعادة تفعيل الدبلوماسية العالمية: يجب
على الدول الكبرى تبني حلول سياسية تعزز الاستقرار العالمي وتقلل من احتمالات
الحرب.
تعزيز التعاون الإقليمي: يمكن للدول
العربية، بالتعاون مع روسيا والصين، العمل على بناء تحالفات استراتيجية تقلل من
الهيمنة الأحادية.
تجنب الاستفزازات العسكرية: أي تصعيد
قد يؤدي إلى حرب مدمرة، لذا يجب التركيز على الحوار والتفاوض المتوازن.
التكيف مع نظام عالمي متعدد الأقطاب:
تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني سياسات تعكس واقع العالم الجديد، بدلًا من محاولة
فرض الهيمنة المطلقة.
الخاتمة:
إن التحولات الجيوسياسية الحالية تشير إلى
أن العالم يقف على أعتاب تغييرات جذرية.
سواء انتهى هذا الصراع بحرب قصيرة أو
مفاوضات مطولة، فإن السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التفاهم المتبادل
والتخلي عن سياسات الإقصاء والهيمنة.
تعليقات
إرسال تعليق