يواجه العالم تحديات أمنية جسيمة في ظل زيادة التوترات الجيوسياسية في سياق يشهد كثيرًا من الصدمات، وأزمات اقتصادية كبيرة، وتهديدًا وجوديًا جراء تغير المناخ، وارتفاعا في مستويات الديون، فضلا عن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي اللذين يعدان تحديين جديدين، لكنهما يخلقان الفرص أيضًا. يأتي كل ذلك في إطار محدودية الحيز المتاح للتصرف على صعيد السياسات في العديد من بلدان العالم، مما يطرح تساؤلًا مهمًا حول مدى تأثير التحديات الأمنية الصلبة واللينة على فاعلية المؤسسات الاقتصادية الدولية في ظل تراجع مستويات الثقة في المؤسسات الأساسية التي ساعدت على تحقيق نمو هائل بعد الحرب العالمية الثانية.
يواجه العالم تحديات أمنية جسيمة في ظل زيادة التوترات الجيوسياسية في سياق يشهد كثيرًا من الصدمات، وأزمات اقتصادية كبيرة، وتهديدًا وجوديًا جراء تغير المناخ، وارتفاعا في مستويات الديون، فضلا عن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي اللذين يعدان تحديين جديدين، لكنهما يخلقان الفرص أيضًا.
يأتي كل ذلك في إطار محدودية الحيز المتاح للتصرف على صعيد السياسات في العديد من بلدان العالم، مما يطرح تساؤلًا مهمًا حول مدى تأثير التحديات الأمنية الصلبة واللينة على فاعلية المؤسسات الاقتصادية الدولية في ظل تراجع مستويات الثقة في المؤسسات الأساسية التي ساعدت على تحقيق نمو هائل بعد الحرب العالمية الثانية.
المؤسسات الاقتصادية الدولية
تأسس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عام 1944 للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد العالمي الذي دمره الكساد العالمي والحرب، ومع تغير الاقتصاد العالمي على مدى الثمانين عامًا الماضية، تعاون البنك والصندوق للتكيُّف والعمل على تلبية احتياجات الدول الأعضاء، غير أن حجم التحديات الحالية جعل هناك تشككًا في إمكانية التأثير، علمًا بأن هيكل عضوية مؤسستا بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، يضم بلدانًا من جميع أنحاء العالم، ولديهما خبرات متخصصة في جميع المجالات، مما يؤهلهما إلى تقديم المساعدات للدول الأعضاء في مواجهة هذه التحديات.
هذا، ويبحث المحللون في إمكانية قيام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتعزيز العمل المشترك، لتأدية دور تحفيزي في الجهد الجماعي الأوسع نطاقًا، على نحو ما قاما به في الماضي لتقديم منافع ملموسة للناس والشركات والمؤسسات في الدول الأعضاء. فعلى الرغم من تميُّز البنك الدولي بتنوع المهارات والخبرات، وخصوصًا في مجالات النمو المستدام والتحوُّل الهيكلي، وما له من تأثير على الدول المتعاونة معه يظل هناك احتياج لتوجيهه في المسار بسبب فداحة التحديات.
تأثير التحديات الأمنية الصلبة واللينة على فاعلية المؤسسات الاقتصادية الدولية
يمر الأمن العالمي بمجموعة من الحروب الأهلية في إفريقيا، ومؤخرًا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بالإضافة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، التي تستمر على نحو أكثر تعقيدّا؛ لما للطرفين من أهمية اقتصادية كبرى، وخصوصًا في مجال السلع الزراعية والمنتجات الغذائية، فهما يُمثلان ما يزيد على رُبع التجارة العالمية لمحصول القمح، وخُمس المبيعات العالمية للذرة، فضلًا عن 80% من الصادرات الخاصة بزيت عباد الشمس، كما تُعد موسكو هو المورد الرئيس للطاقة بصفة عامة، والغاز الطبيعي بصفة خاصة إلى أوروبا، وهو ما يفسر ما يمر به الاقتصاد العالمي من مرحلة صعبة ومُعقدة؛ حيث يواجه العديد من التحديات التي يندُر حدوثها، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم، وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي ضوء ذلك، تراجعت تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى دول المنطقة، فعلى الصعيد العالمي بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي نحو 1.3 تريليون دولار أمريكي خلال عام 2021، والتي تُمثِّل انخفاضًا بقيمة 13% عن العام السابق له. بالإضافة إلى زيادة معدلات الفقر؛ حيث تشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2024 فإن إجمالي عدد الفقراء المدقعين في البيئات التي تتسم بالهشاشة، والتي تشهد أعمالًا محتدمة من العنف والصراع قد يتجاوز العدد الإجمالي في البيئات الأخرى. وتُشير التقديرات إلى أن نسبة الدولة الهشة، والتي تُعاني من أعمال العنف والصراعات الداخلية ستبلغ نحو 59% من إجمالي حالات الفقر المدقع حول العالم بحلول عام 2030، ذلك بالإضافة إلى التغير المناخي وآثاره المدمرة، وارتفاع الدين الخارجي.
وفيما يخص المخاطر المناخية، تُشير النسخة المُحدَّثة من إطار عمل البنك الدولي إلى القضايا المناخية باعتبارها أحد مجالات العمل الرئيسة للبنك، وتعتمد جهود البنك الدولي في هذا الشأن على سنوات طويلة من العمل في مجالي التنمية والعمل المناخي، وذلك من خلال خطة عمل البنك بشأن تغيُّر المناخ، وتقارير الدول في مجالات التنمية والمناخ، فضلًا عن الاعتماد على السياسات المحلية في هذا الصدد، كما يوفِّر البنك الدعم اللازم للدول الأعضاء فيما يتعلَّق بالسياسات المعنية بقضايا المناخ، ويدعم إصلاح السياسات من خلال تمويل برامج سياسات التنمية، وتوفير التمويل لاستثمارات محددة في القطاعات المختلفة من خلال القروض المقدمة للمشروعات الاستثمارية وتمويل البرامج وفقا للنتائج.
وفي هذا الإطار، اعتمد صندوق النقد الدولي استراتيجية جديدة للمناخ تشمل تغطية القضايا المناخية ذات الأهمية البالغة للاقتصاد الكلي في إطار مشاورات المادة الرابعة والمساعدة الفنية الموسعة في مجالات اختصاصه. كما أطلق الصندوق الإنمائي للصلابة والاستدامة؛ بهدف توفير التمويل طويل الأمد بتكلفة مخفضة للدول الأكثر احتياجًا، والتي تتبنى برامج إصلاحية ذات جدوى اقتصادية في مجال المناخ، وفي هذا الإطار يستضيف كل من البنك والصندوق أمانة تحالف وزراء المالية للعمل المناخي.
وفيما يخص زيادة مخاطر الديون، تعاني 52 دولة نامية من ضائقة ديون أو توشك أن تقع فيها، ويعمل الصندوق والبنك الدوليان على تكثيف أوجه التعاون بين المؤسستين، والاعتماد على مجالات خبرة كل منهما كل فيما يخصه والاستفادة منها؛ بهدف التخلُّص من مخاطر الديون المتراكمة، وتوفير الدعم للدول في مجال إدارة الديون وتعزيز الشفافية فيما يتعلَّق بالديون والمالية العامة، فضلًا عن تطوير الإطار المشترك بين الصندوق والبنك والمتعلِّق باستمرار القدرة على تحمل أعباء الديون للبلدان منخفضة الدخل لمجابهة التحديات الحالية على نحو أفضل مع المساندة والدعم لجميع أطراف عملية إعادة هيكلة الدين سواء الدائن أو المدين.
وبالرغم من الجهود العالمية نحو التحول الرقمي، والذي يُعد فرصة متميزة لإسراع وتيرة النمو الاقتصادي، وتيسير وصول المواطنين إلى كل من الخدمات والوظائف، فقد بلغ عدد من لا يمكنهم الاتصال بالإنترنت خلال عام 2022 نحو 3 مليارات نسمة معظمهم في دول العالم النامي، كما تُشكِّل الفجوة الواسعة في استخدام المنتجات الرقمية بين الدول وداخلها تحديًّا كبيرًا، مما يستلزم المساندة في البنية التحتية التي تحول دون تحقيق الشمول والتحول الرقميين، فضلًا عن دعم الشمول المالي وأنظمة المدفوعات ذات التكلفة المنخفضة، وتوسيع نطاق استخدام الخدمات والعمليات الحكومية الرقمية، الأمر الذي دفع الصندوق إلى التركيز على دعم عمليات التحول الرقمي في القطاعات المالية، وتعزيز استخدام التكنولوجيا المالية الجديدة على نطاق واسع.
وفي ضوء ما سبق، يمكن تفعيل دور المؤسسات المالية الدولية في مجابهة المخاطر الأمنية الصلبة، واللينة الحالية والمستقبلية، من خلال مسارات التحرك الآتية:
دعم المجتمع الدولي للسلام باعتباره سلعة عامة عالمية، وتكثيف جهود المجتمع الدولي على تجنب أسباب الحروب بشكل وقائي، وانخراط المؤسسات المالية الدولية وأنشطتها في معالجة مظاهر الهشاشة والصراع حسب ظروف كل بلد على حدة.
تقديم الدعم المكثف بتكلفة منخفضة، مع تصميم البرامج الاقتصادية والمشورة بشأن السياسات على نحو يكفل لها الوقاية وزيادة الصلابة.
تعزيز صوت وتمثيل البلدان النامية في مجالس إدارة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والقيام بإصلاحات لحصص صندوق النقد الدولي، وإجراء تغييرات على حقوق التصويت في الصندوق وقواعد اتخاذ القرار.
الابتعاد عن النظام الذي يفيد الأغنياء ويعطي الأولوية للمكاسب ذات الأجل القصير، للاتجاه نحو نظام يتسم بالعدل، ويستثمر مقدمًا في أهـداف التنمية المستدامة، والعمل المناخي، والأجيال القادمة.
التزام المؤسسات الاقتصادية الدولية بترتيب الأولويات للمساعدة في تسريع وتيرة النمو، والتخفيف من عبء المفاضلة بين السياسات، ودعم التحولات الخضراء والرقمية، مع الحفاظ على سلامة واستقرار النظام المالي، وتقديم الدعم للدول المختلفة فيما يتعلَّق بتعزيز فاعلية أنظمة الإنفاق وتحصيل الإيرادات، فضلًا عن تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيا الرقمية الجديدة، بالتزامُن مع التخفيف من حدة المخاطر، وخصوصًا فيما يتعلَّق بتحسين المدفوعات عبر الحدود، ودعم تنفيذ خارطة طريق مجموعة العشرين لتعزيز المدفوعات عبر الحدود، وضمان تحفيز النمو من خلال الابتكار في مجال المدفوعات، وتقليل معدلات الفقر وخلق فرص العمل.
زيادة محفظة التمويل الميسر للدول النامية المستضيفة للاجئين، حيث تسمح الآلية العالمية للتمويل الميسر بسد الفجوة بين المساعدة الإنسانية والإنمائية؛ لتعزيز صلابة البلدان المضيفة للاجئين، ودعم المجتمعات المضيفة وليس اللاجئين فقط.
دعم منصة بنوك التنمية - مثل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والبنك الإسلامي للتنمية بما يعمق تعزيز التنسيق بين الدول.
وختامًا، ففي ضوء ما يواجه العالم من أزمات وتحديات غير مسبوقة، قد تتزايد وتيرتها في المستقبل، ينبغي للمؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي توفير آليات التمويل المبتكرة لمساعدة الدول النامية والمتأثرة من الأزمات على تخطي تلك الصعوبات، مع مراعاة أن يكون حجم التمويل متناسبًا مع احتياجات البلدان المتأثرة، وتظل التوصية الرئيسة هي دعم العمل المتعدد الأطراف لاقتلاع جذور الأزمات الاقتصادية والمخاطر الأمنية.
المصدر :- مركز المعلومات دعم و إتخاذ القرار
تعليقات
إرسال تعليق