الـسـيـاق الـعـام لـوثـيـقـة مـلـكـيـة الـدولـة

 شهد دور الدولة المصرية على مدى العقود الماضية العديد من التحولات بما يتلائم مع طبيعة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والفكر الاقتصادي السائد في كل عصر منالعصور، وتراوح هذا الدور ما بين دعاة حصر دور الدولة في تهيئة السبل الكفيلة بنجاح النظم الليبرالية القائمة على الحرية الاقتصادية، وما بين دعاة تدخل الدولةالمباشر في النشاط الاقتصادي بما يفرضه ذلك من مشاركتها في أنظمة الإنتاج والتوزيع

----------------------------------------------

هذه العلاقة التي تربط وتجمع ما بين الدولة والمواطن، درج المفكرون على تسميتها من المنظور الأوسع والأشمل بما يُعرف بـ العقد الاجتماعي "Social Contract" . فالدولة وفق هذا العقد مطالبة بالعمل على تلبية الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية لمواطنيها، والتي تختلف من حقبة لأخرى ومن دولة لأخرى.

----------------------------------------------

وفي السياق ذاته فإن تواجد الدولة المصرية في النشاط الاقتصادي تنوّع وفقًا للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها الدولة وقد نتج عن التواجد الكبير للدولة فيبعض الحقب الزمنية اتساع محفظة الأصول المملوكة للدولة المصرية لتضم العديد من شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام وتواجدها في العديد من القطاعات؛بعضها سلع استراتيجية أو خدمات أساسية، والبعض الآخر تواجدت فيه الدولة لتحقيق أبعاد اقتصادية أو اجتماعية محددة.

----------------------------------------------

إن الحكومة المصرية تعي جيدا أن التواجد في النشاط الاقتصادي ليس هدفًا في حد ذاته، وإنما لتحقيق أهداف وغايات اجتماعية واستراتيجية واقتصادية إذا مااقتضت الحاجة إلى ذلك، وأن هذا التدخل ينتهي بتحقيق تلك الأهداف وزوال الدوافع من ورائها، فالأزمات المتكررة التي مرت على الدولة المصرية وما صاحبها منتداعيات على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، اقتضت في بعض الفترات ألا تقف الدولة مكتوفة الأيدي دون تدخل منها لحماية المواطن المصري من تداعياتتلك الأزمات.

----------------------------------------------

وعلى وجه الخصوص، كان هناك تزايد مبرر لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي في أعقاب عام ۲۰۱۳؛ لمواجهة عدد من التحديات بما يشمل انخفاض معدلات نموالناتج المحلي الإجمالي المحققة خلال تلك الفترة، الأمر الذي نتج عنه تراجع مستويات الرفاهية وتراجع أهم مصادر النقد الأجنبي ومن بينها متحصلات السياحة وتدفقاتالاستثمار الأجنبي المباشر

----------------------------------------------

إضافة إلى ارتفاع عجز ميزان المدفوعات بمعدلات غير مسبوقة منذ (۳۰) عاما، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور المستوى المعيشي للأفراد.

----------------------------------------------

بناءً عليه، عملت الدولة المصرية على تبني ثلاثة اتجاهات رئيسة لتصحيح المسار الاقتصادي، وهي:-

----------------------------------------------

۱ضخ استثمارات حكومية داعمة للنشاط الاقتصادي، توجه نصفها إلى قطاعات البنية التحتية والنقل والتعليم والصحة خلال الفترة ٢٠١٥/٢٠١٤ - :(۲۰۲۱/۲۰۲۰لتنفيذ مشروعات في قطاعات رئيسة عملاً أصيلاً للدولة

----------------------------------------------

ويعزف القطاع الخاص عن الدخول فيها، كقطاعات البنية التحتية من المياه والصرف الصحي والكهرباء، والطرق والنقل بما انعكس إيجاباً على مستوى النشاطالاقتصادي وتحسين معيشة المواطنين، وتطوير بيئة ممارسة الأعمال

----------------------------------------------

٢تنفيذ المشروعات القومية، حيث توجه نحو (۳۳٪) من الاستثمارات الحكومية المنفذة في المتوسط خلال الفترة (۲۰۱۸/۲۰۱۷ - ۲۰۲۰/۲۰۱۹لتنفيذ مشروعات قومية فيقطاعات رئيسة داعمة للنمو والتشغيل ومحفزة للاستثمارات المحلية والأجنبية.

----------------------------------------------

إطلاق إصلاحات اقتصادية لدفع النمو الاقتصادي، واحتواء الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية لاسيما عبر المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي(٢٠١٦-٢٠١٩)، فيما تستهدف المرحلة الثانية من البرنامج والتي تم إطلاقها في شهر أبريل من عام ۲۰۲۱ البناء على المكتسبات الاقتصادية القومية التي تحققت بفعلبرنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي بدأته مصر نهاية عام ٢٠١٦ :-

----------------------------------------------

 وتسعى، ولأول مرة، إلى التركيز على تحفيز جانبي العرض والطلب وتعزيز الاقتصاد الأخضر بهدف زيادة مستويات الإنتاجية التي تعد بدورها أهم وسيلة ينتقلبموجبها تأثير هذه الإصلاحات إلى القطاع الحقيقي

----------------------------------------------

ولقد كان لهذه الاتجاهات الرئيسية، والتي عملت عليها الحكومة المصرية، انعكاس إيجابي، عكسته العديد من مؤشرات الأداء الاقتصادي، وكذلك تحسن تصنيف مصرفي عدد من المؤشرات الدولية، والتي تُعد عنصرًا رئيسًا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، واستطاعت مصر تحقيق قفزات في عدد من تلك المؤشرات إثر التدخلاتالتي قامت بها الدولة المصرية في قطاعات بعينها، 

----------------------------------------------

وكذلك برامج الإصلاح الاقتصادي المتبعةوالتزاما بما ورد في الدستور المصري وفقا للمادة (۲۷)، والتي نصت على أن يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء فيالبلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل، وتقليل معدلاتالبطالة، والقضاء على الفقر

----------------------------------------------

ويلتزم النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافس وتشجيع الاستثمار والنمو المتوازن جغرافيا وقطاعيا وبيئيا، ومنع الممارسات الاحتكارية، معمراعاة الاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوقالعاملين ويحمي المستهلك

----------------------------------------------

ويلتزم النظام الاقتصادي إجتماعيا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياةالكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل باجر وفقا للقانون" .

----------------------------------------------

وفي ظل التطورات المتعاقبة التي شهدها العالم والاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة، برزت الحاجة إلى وجود حكومات تتمتع بأعلى مستوى من الكفاءة والديناميكيةوالاستجابة لاحتياجات مواطنيها، بل والمرونة كذلك في مواجهة الأزمات والصدمات الاقتصادية، وهو ما يبرر التحول نحو دور جديد للدولة تقاس فيه كفاءة الحكوماتبمدى قدرتها على تقديم خدمات عامة عالية الجودة لمواطنيها وسعيها نحو تعزيز مستويات البنية الأساسية الداعمة للاستثمار المحلي والأجنبي وتبنيها لأطر تشريعيةوتنظيمية تكفل جاذبية بيئات الأعمال وقدرتها على تأسيس شبكات أمان اجتماعي قادرة على تقديم الحماية للفئات الهشة، ونجاحها في مساعدة الأفراد والشركات علىالاستفادة من الفرص التي يتيحها التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة.

----------------------------------------------

في هذا السياق، بدأت الحكومة المصرية بالفعل في اتخاذ عدد من الخطوات لتتواكب مع تلك التغييرات العالمية والالتزامات الدستورية بشأن تبني معايير الحوكمةالاقتصادية، وذلك بدءًا من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي عام ٢٠١٦، وصولاً إلى

تبني العديد من الإصلاحات والإجراءات مؤخرا ؛ لتحسين أداء الشركات المملوكة للدولة، والتي حازت ثناء العديد من المؤسسات الدولية بما يشمل الالتزام بمبادئ الحوكمةومعايير الشفافية والإفصاح بصدور تعديلات على القانون (۲۰۳) لسنة ۱۹۹۱ وصدور القانون (١٨٥) لعام ۲۰۲۰ ، والبدء في تنفيذ خطة إعادة هيكلة بعض الشركاتالمملوكة للدولة كالصناعات النسيجية وتبني برنامج الطروحات الحكومية.

----------------------------------------------

 وإدراكا من الدولة بأن القطاع الخاص شريك رئيس في دعم النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتعزيز مستويات المرونة الاقتصادية أطلقت الحكومةالبرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية في النصف الأول من عام ٢٠٢١، كما سبقت الإشارة، وهو البرنامج الذي يعتمد نجاحه في الأساس على الدور المسؤول للقطاعالخاص في توليد النمو والتنمية الاقتصادية، وتعزيز الصمود الاقتصادي، ويستلزم تنفيذه إفساح مجال أكبر للقطاع الخاص للمساهمة في الناتج والتشغيل.

----------------------------------------------

وتأتي هذه الوثيقة لاستكمال الإصلاحات التي تتبناها الدولة المصرية في إطار تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وخلق البيئة الاقتصادية الداعمةوالجاذبة للاستثمارات، وذلك لوضع الأسس والمرتكزات الرئيسة لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، وسياسة الملكية التي تتبعها الدولة والمنطق من ورائها، وذلك كمرحلةأولى من مراحل تحديد سياسة ملكية الدولة المصرية للأصول المملوكة لها ، بما يساهم في التنفيذ الأمثل لسياسة ملكية الدولة للأصول في

المراحل اللاحقة في ضوء ما سبق، تقدم هذه الورقة أهم ملامح وثيقة سياسة ملكية الدولة المصرية للأصول، 

بما يشمل هدف هذه السياسة، وأهم موجهاتها ومنهجية تحديد قرارات الإبقاء على أو التخارج من الأصول المملوكة للدولة خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى إلقاء الضوءعلى دور صندوق مصر السيادي في هذا الإطار، والشراكات بين القطاعين العام والخاص كآلية للمزيد من تعزيز دور القطاع الخاص، علاوة على إطار الحياد التنافسيومبادئ حوكمة الأصول المملوكة للدولة الذي تسترشد به الدولة المصرية في إطار امتلاكها للأصول التي لن يتم التخارج منها.


تعليقات